الوعي والسلوك الصحّيّان في صفوف الجمهور العربيّ في إسرائيل

10.02.2019

د.محمد خطيب، باحث في جمعية الجليل

تعرض هذه المقالة صورة عامّة للأوضاع الصحّيّة في صفوف الجمهور العربيّ الفلسطينيّ في إسرائيل، وستقوم باستعراض سلوكيّات شائعة، نحو التدخين والنشاط البدنيّ، وتفحص المعارف القائمة في صفوف الجمهور العربيّ في مواضيع الصحّة والحقوق الصحّيّة. يبلغ تعداد السكّان العرب الفلسطينيّين في إسرائيل 1.4 مليون نسمة، ونسبتهم قرابة 17% من المجموع السكّانيّ العامّ. 36% من المواطنين الفلسطينيّين دون سنّ الرابعة عشرة؛ ولذا فإنّ هذه الشريحة السكّانيّة تُعتبر شريحة شابّة. معدّل العمر الوسيط هو 22. ترتفع هذه النسبة إلى 50% في منطقة النقب، حيث يبلغ معدّل العمر الوسيط 15 عامًا. قرابة نصف السكّان العرب في إسرائيل يسكنون في منطقة الشمال، ويسكن نحو 17% منهم في النقب، ويسكن الباقون في منطقة حيفا والمركز. معدّل عدد الأنفار في العائلة العربيّة هو 5.11 نسمة.

الوفَيات وانتشار الأمراض يُعتبران مؤشّرَيْن صحّيَّيْن يتأثّران من أسلوب الحياة الذي ينعكس -في ما ينعكس- في هذا السلوك الصحّيّ أو ذاك السلوك الصحّيّ من تلك التي تضرّ بالصحّة، أو في الدمج بين السلوكيّات المختلفة. السلوك الصحّيّ بتعريفه الفضفاض يشمل كلّ نشاط تجري ممارسته لغرض الوقاية من الأمراض أو لغرض تحسين صحّة ورفاهية الفرد. يشمل هذا النشاط -في ما يشمل- استخدام الخدمات الصحّيّة (زيارات لعيادة الطبيب، وإجراء فحوص)، والتجاوب مع التعليمات والتوصيات الطبّيّة والصحّيّة (معالجة الأمراض)، وسلوكيّات شخصيّة (التغذية والتدخين والنشاط البدنيّ)، وتبنّي أسلوب حياة صحّيّ وناشط يرتكز على مستوى الوعي الصحّيّ لدى الفرد، أي على المعرفة المتوافرة لديه واستخدامها.

الأوضاع الصحّيّة في صفوف الجمهور العربيّ الفلسطينيّ في إسرائيل صعبة، مقارنة بالأوضاع الصحّيّة في صفوف اليهود. الفجوات بين المجموعتين السكّانيتَيْن تظهر في مؤشّرات صحّيّة، نحو: متوسّط العمر المتوقّع عند الولادة، والوفَيات العامّة والعينيّة (كوفاة الرضَّع -على سبيل المثال)، وانتشار الأمراض المزمنة والوراثيّة، والتعرّض للإصابات في صفوف الأطفال، وغير ذلك. متوسّط العمر المتوقّع في صفوف العرب أدنى في المعدل من متوسّط العمر المتوقّع في صفوف اليهود بثلاث سنوات، وشهدت السنوات الأخيرة تراجُعًا في متوسّط العمر المتوقّع لدى الرجال العرب من 78 عامًا إلى 76.9 عامًا، مقابل ارتفاع طفيف في متوسّط العمر المعدّل بين الرجال اليهود في تلك الفترة. في العَقد الأخير، تضاعف عدد السكان العرب الذين يعانون من أمراض مزمنة: نحو ثلث (29.6%) من أبناء الحادية والعشرين فما فوق أفادوا أنّهم يعانون من مرض مزمن واحد على الأقلّ مقابل 16% في العام 2004. مرض السكّريّ هو الأكثر انتشارًا ويصيب 12.7% من العرب في إسرائيل. على الرغم من ذلك، قيّم 75% من المستطلَعين حالتهم الصحّيّة بأنّها جيّدة أو ممتازة، وقيّم 26.5% من الأشخاص الذين يعانون من مرض مزمن وضْعَهم الصحّيّ بأنّه جيّد أو ممتاز.

57.8% فقط من المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة يُـجْرون فحوصًا دوريّة، ونحو 10% لا يُـجْرون فحوصًا البتّة. يُـجْري المرضى مزيدًا من الفحوص كلّما ارتفع مستوى التحصيل العلميّ لديهم وارتفع مستوى معرفتهم حول المرض. بالنسبة للفحوص بعامّة، تبيّن أنّ النساء يُـجرين فحوصًا للتشخيص المبْكر أكثر من الرجال. طبيب العائلة هو الجهة المركزيّة التي توجِّه نحو إجراء مثل هذه الفحوص.

في العَقد الأخير، حصل ارتفاع طفيف ومتواصل في نسبة المدخّنين في المجتمع العربيّ، على الرغم من نشاطات التوعية لمكافحة التدخين. وأظهر مسح الصحّة والبيئة الذي أجرته جمعيّة الجليل في العام 2015* أنّ 30% من أبناء الخامسة عشرة فما فوق هم مدخّنون. وتبيّن كذلك أنّ نسبة المدخّنين الرجال هي 50.4% (وأكثر من ثلث هؤلاء يدخّنون أكثر من عشرين سيجارة في اليوم الواحد)، وأنّ نسبة المدخّنات النساء هي 9.2%. ظاهرة تدخين الأراجيل آخذة في الانتشار هي كذلك، إذ تبلغ نسبتها بين الرجال (15 عامًا فما فوق) 18.1% (مقابل 4% في العام 2004)، وَ 7% بين النساء (مقابل 0.2% في العام 2004)، وينتشر التدخين أكثر في صفوف الطبقات الاقتصاديّة الميسورة وفي صفوف ذوي المستوى العلميّ المرموق. ثلث المدخّنين يعبّرون عن رغبتهم في التوقّف عن التدخين، وحاول ثلث منهم التوقّف عن التدخين دونما نجاح.

27.6% من أبناء الثامنة عشرة فما فوق يمارسون النشاط الرياضيّ على نحو منتظم؛ 32.3% من الرجال، وَ 22.7% من النساء. تظهر النتائج أنّ الارتفاع في الوعي والمعارف الصحّيّة يدفع إلى ممارسة النشاط البدنيّ على نحو أكبر. النشاط البدنيّ الأكثر شيوعًا هو المشي (74%) يليه الركض (34.5%). الدافع المركزيّ للنشاط البدنيّ هو الرغبة في المحافظة على الصحّة.

بين أبناء الثامنة عشرة فما فوق، نسبة الذين يستهلكون الأكل السريع والمشروبات الغازيّة والمحلّاة والسكاكر بأنواعها تتراوح بين 66% وَ 68%. 9.3% فقط يحافظون على نظام غذائيّ، ولا سيّما مَن تتوافر لديهم معلومات أوسع في هذا المضمار. الدافع الأساسيّ للمحافظة على التغذية الصحّيّة هي الرغبة في تخسيس الوزن، والاستجابة لتوصية الطبيب. 42.9% من أبناء الثامنة عشرة فما فوق يعانون من وزن زائد، ويعاني 17.1% من السمنة أو السمنة المفْرطة. تنتشر ظاهرة السمنة على نحو أكبر في صفوف ذوي التحصيل العلميّ المتدنيّ وذوي الوعي الصحّيّ الخفيض والمعارف الصحّيّة الشحيحة.

قرابة نصف الجمهور العربيّ تعتبر مستوى معارفها العامّة في مجال الصحّة والحقوق الصحّيّة متراوحًا بين المتدنّي والمتدنّي جدًّا. أكثر من نصف الجمهور العربيّ يعتبر معارفه حول الأمراض التي يعاني منها تتراوح بين المتدنّية والمتدنّية جدًّا. مصادر المعرفة المركزيّة في مجال الصحّة هي شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعيّة.

الوضع الصحّيّ للجمهور العربيّ يستوجب تدخُّلًا سريعًا وعملًا بنيويًّا واسعًا ومتعدّد المجالات في مجال الوقاية والتشخيص المبكّر والعلاج وإعادة التأهيل. ثمّة حاجة إلى العمل على جميع الصعُد، بدءًا من الحكومة وجهاز الخدمات الصحّيّة، وصولًا إلى صعيد البلدة والفرد، وثمّة حاجة إلى رسم سياسات عليا تتبنّى منهج التمييز المصحِّح والاستثمارات الخاصّة التي تحسّن أوضاع الجمهور العربيّ، ولا سيّما في المجالات الصحّيّة. وتستدعي الحاجةُ كذلك بناءَ خطّة قوميّة بمبادرة ومسؤوليّة الدولة من أجل توفير الخدمات الناقصة، نحو: خدمات الصحّة النفسيّة ومراكز صحّة المرأة وخدمات لمرحلة الطفولة المبْكرة، وخدمات إعادة التأهيل، ومعاهد للتشخيص المبْكر. علاوة على ذلك، تتطلّب الحاجة تطوير الخدمات الصحّيّة بعامّة في كلّ ما يتعلّق بالحجم، والمناليّة، والوفرة، وملاءَمتها لثقافة الجمهور العربيّ ولإمكانيّاته الثقافيّة. من الضروريّ كذلك تأهيل وتطوير طاقات بشريّة لكي تعمل في المهن الصحّيّة وَفق الاحتياجات الخاصّة بالمجتمع العربيّ. على مستوى البلدات، يجب رفع المساعدات الماليّة والمهنيّة للسلطات المحلّيّة بغية تكثيف مشاركتها ومسؤوليّاتها المتعلّقة بصحّة السكّان. هذه المساعدة تمكّن من تطوير برامج تدخُّل لمنظّمات ومؤسّسات مجتمعيّة تنغمس في مسألة تكثيف الوعي الصحّيّ في صفوف الجمهور، بما في ذلك تحسين المعارف حول الحقوق الصحّيّة وسُبُل استنفادها وبناء قيادات صحّيّة. كذلك يجب اتّخاذ عدد من الخطوات في سبيل خلق بيئة تشجّع السلوكيّات التي تنهض بالصحّة، من خلال بناء متنزّهات عامّة وساحات لعب ومسارات مشي وما إلى ذلك.